اشعار لمظفر النواب و عبدالرزاق عبدالواحد

وتريات ليلية

مظفر النواب

 

الحركة الأولى

 

في تلك الساعة من شهوات الليل

وعصافير الشوك الذهبية

تستجلي أمجاد ملوك العرب القدماء

وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية

يكتظ حليب اللوز

ويقطر من نهديها في الليل

وأنا تحت النهدين ، إناء

في تلك الساعة حيث تكون الأشياء

بكاءً مطلق ،

كنت على الناقة مغموراً بنجوم الليل الأبدية

أستقبل روح الصحراء

يا هذا البدوي الضالع بالهجرات

تزوَّد قبل الربع الخالي

بقطرة ماء

 

 

كيف أندسَّ بهذا القفص المقفل في رائحة الليل!؟

كيف أندسَّ كزهرة لوزٍ

بكتاب أغانٍ صوفية!؟

كيف أندسَّ هناك،

على الغفلة مني

هذا العذب الوحشي الملتهب اللفتات

هروباً ومخاوف

يكتبُ في ََّّ

يمسح عينيه بقلبي

في فلتة حزن ليلية

يا حامل مشكاة الغيب!

          بظلمة عينيك!

ترنَّم من لغة الأحزان،

          فروحي عربية

 

يا طير البرِّ

أخذت حمائم روحي في الليل ،

الى منبع هذا الكون ،

وكان الخلق بفيض ،

وكنتَ عليّ حزين

وغسلت فضاءك في روح أتعبها الطين

تعب الطين ،

سيرحل هذا الطين قريباً ،

تعب الطين

عاشر أصناف الشارع في الليل

فهم في الليل سلاطينْ

نام بكل امرأة

خبأ فيها من حر النخل بساتينْ

يا طير البرقِ! أريد امرأةً دفء

          فأنا دفء

جسداً كفء فأنا كفء

تعرق مثل مفاتيح الجنة بين يديَّ وآثامي

وأرى فيك بقايا العمر وأوهامي

يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي!

يا حامل وحي الغسق الغامض في الشرق

                             على ظلمة أيامي

أحمل لبلادي

حين ينام الناس سلامي

للخط الكوفيّ يتم صلاة الصبح

بافريز جوامعها

لشوارعها

          للصبر

          لعليٍّ يتوضأ بالسيف قبيل الفجر

          أنبيك عليّاً

          مازلنا نتوضأ بالذل

          ونمسح بالخرقة حد السيف

          ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف

          ما زالت عورة عمرو العاص معاصرةً

          وتقبح وجه التاريخ

          ما زال كتاب الله يعلَّقُ بالرمح العربية

          ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء ،

          يؤلب باسم اللات

          العصبيات القبلية

          ما زالت شورى التجار ، ترى عثمان خليفتها

          وتراك زعيم السوقية

          لو جئت اليوم ،

          لحاربك الداعون إليك

          وسموك شيوعية

 

 

 

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

أتشهّى كل القطط الوسخة في الغربة

لكل نساء الغربة أسماكٌ

تحمل رائحة الثلج

وأتعبني جسدي

يا أيَّ امرأة في الليل!

تداس كسلة تمر بالأقدام

                             تعالي!

فلكل امرأة جسدي

وتدٌ عربي للثورة ، يا أنثى جسدي

كل الصديقين وكل زناة التاريخ العربي

هنا أرثٌ في جسدي

أضحك ممن يغريني بالسرج

وهل يسرج في الصبح حصان وحشيٌّ

ورث الجبهة من معركة “اليرموك”

وعيناه “الحيرة”

والأنهار تحارب في جسدي !؟

قد أعشق ألف امرأة في ذات اللحظة،

لكني أعشق وجه امرأة واحدة

في تلك اللحظة

امرأة تحمل خبزاً ودموعاً من بلدي.

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

 

 

الحركة الثانية

 

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . .

وجيء بكرسيّ حُفرت هوة رعب فيه

          ومزقت الأثواب عليّ

          ابتسم الجلاد كأن عناكب قد هربت

          أمسكني من كتفي وقال ،

          على هذا الكرسيّ خصينا بضع رفاق

          فاعترف الآنَ

          اعترف

          اعترف

          اعترف الآنَ

عرقتُ.. وأحسست بأوجاع في كل مكانٍ من جسدي

          اعترف الآن

وأحسست بأوجاع في الحائط

أوجاع في الغابات وفي الأنهار، وفي الإنسان الأوّل

          أنقذ مطلقك الكامن في الإنسان

          توجهت الى المطلق في ثقة

          كان أبو ذرٍّ خلف زجاج الشبّاك المقفل

          يزرع فيّ شجاعته فرفضت 

                                      رفضت

وكانت أمي واقفة قدام الشعب بصمت.. فرفضت

          اعترف الآن

اعترف الآن

رفضت

وأطبقت فمي ،

فالشعب أمانة

في عنق الثوري

                   رفضتُ

تقلص وجه الجلادين

وقالوا في صوت أجوف:

نترك الليلة..

راجع نفسك

أدركت اللعبة

في اليوم التاسع كفّوا عن تعذيبي

نزعوا القيد فجاء اللحم مع القيد ،

أرادوا أن أتعهد ،

أن لا أتسلل ثانية للأهوز

صعد النخل بقلبي..

صعدت إحدى النخلات ،

بعيداً أعلى من كل النخلات

تسند قلبي فوق السعف كعذقٍ

من يصل القلب الآن!؟

قدمي في السجن ،

وقلبي بين عذوق النخل

وقلت بقلبي: إياك

          فللشاعر ألف جواز في الشعر

          وألف جواز أن يتسلل للأهواز

يا قلبي! عشق الأرض جواز

وأبو ذرّ وحسين الأهوازي ،

وأمي والشيب من الدوران ورائي

من سجن الشاه الى سجن الصحراء

الى المنفى الربذي ، جوازي

وهناك مسافة وعي ،

بين دخول الطبل على العمق        

                             السمفوني

وبين خروج الطبل الساذج في الجاز

ووقفت وكنت من الله قريباً

 

في الوقوف بين السماواتورأس الإمام الحسين (ع)
مظفر النواب

فضةٌ
من صلاةٍ
تعمّ الدخولْ
والحمائمُ أسرابُ نورٍ
تلوذ بريحانةٍ
أترعتها ينابيعُ مكةَ
أعذبَ ما تستطيعُ
ولست أبالغُ
أنك وحيٌ
تواصلَ
بعد الرسولْ
ومن المسك أجنحة وفضاءٌ
كأني أعلو…
ويجذبني أن ترابك هيهات يُعلى عليه
وبعض الترابِ سماءٌ
تنيرُ العقولْ…
ليس ذا ذهباً ما أقبّلُ…
بل حيثُ قبّل جدّك
من وجنتيك
وفاض حليب البتولْ…
لم يزل همماً للقتالِ
ترابُك..
أسمع هولَ السيوفِ
ووهجَ ضماك ينيرُ الضريحَ
ويوشكُ قفلُ ضريحك
أن يتبلج عنك…
أراك بكل المرايا
على صهوةٍ من ضياءٍ
وتخرج منها
فأذهل أنك أكثر منا حياةً
ألست الحسينَ بنَ فاطمة وعليْ
لماذا الذهول؟…
قد تعلمت منك ثباتي
وقوة حزني وحيداً..
فكم كنت يوم الطفوف وحيداً
ولم يكُ أشمخ منكَ
وأنت تدوس عليك الخيولْ…
من بعيدٍ رأيتُ
ورأسك كان يُحزُّ
حريقَ الخيامِ
على النارِ أسبلت جفنيك
حلماً
بكى الله فيك بصمتٍ
وتم الكتابُ
فدمعك كان ختام النـزول…
مُذْ أبيتَ
يبايعك الدهرُ…
وارتابَ في نفسه الموتُ
مما يراك
بكل شهيدٍ
فأين تُرى جنةٌ
لتوازن هذا مقامك
هل كنت تسعى إليها… حثيث
الخطى
أم تُرى جنة الله
كانت تريد إليك الوصول؟!
واقفٌ وشجوني ببابك
ما شاغلى جنة الخُلد
أو استجيرُ من النارِ
لكنني فاض قلبي بصوتك
تستمطرُ الله قطرة ماءٍ
تطيلُ وقوفك
ضد يزيدٍ
إلى الآن
لله مما بتاريخنا من مغولٍ
ومما به من ذرى لا تطالُ
وعنها انحدارُ السيولْ
إننا في زمانٍ يزيدٍ…
كثير الفروعِ
وفي كل فرعٍ لنا كربلاءُ…
وكشف إحدى وعشرون عمرو بن عاصٍ ونصفٌ
نعم ثمّ نصفٌ
يفتش روث بني قنيقاعٍ
ويرضى قراد الحلولِ
إذا كان يرضاه يوماً
قرادُ الحلولْ…
يا إمام الشهادةِ!
عهدٌ على عاشقي كبرياء السماوات
في ناظريك…
نقاومُ
نعرفُ أن القتالَ مريرٌ
وأن التوازنَ صعبٌ
وأن حكوماتنا في ركاب العدوِ
وأن ضعاف النفوس
انتموا للذئابِ
وعاشت ذئابٌ من الطائفية
تفتك بالناس…
ما أنت طائفةٌ
إنما أمةٌ للنهوضِ…
تواجه ما سوف يأتي…
إذ الشرُ يعلن دولته بالطبولْ…
لست أبكي
فإنك تأبى بكاء الرجالِ
ولكنها ذرفتني أمام الضريح عيوني
يطافُ برأسك فوق الرماحِ…
ورأس فلسطين أيضاً يُطافُ به…
في بلاد العروبةِ
ياللمروءةِ
والعبقرية بالجُبن…
أما العراقُ… فيُنسى لأن ضريحك
عاصمةُ الله فيه
وجودُ بنيه، أقلُّ من الجود والروح
جودٌ خجولْ
وطني رغم كل الرزايا
يسلّ على الموت كل صباحٍ
ويُغمد في الحزن كل مساء
وينهض ثانيةً والصباحاتُ بين يديهِ
بطاقاتُ عُرسٍ
وتبقى الثريا، معلقةً فوقه
إسوةً بالثريات،
فوق ضريحكَ…
يا ربُّ نوّر بتلك الثريات وجهي…
وبالطلع
والرفقة الثابتين على الدرب
عرضاً وطولْ
ها أنا عُرضةٌ للسهامِ
إلتحاقاً بموقفك الفذّ
يوم ترجلت… بين الرماحِ
وأنت الذي بيديك عنانُ خيول الزمان
فما وقفة العز يومٌ
ولكن زمانٌ…
وهذا العراقُ… وقد رجلته جيوش الحصارِ
وحيداً يصول
وكأن العروبةَ
ليس ترى
كيف يحتزُ رأسُ العراقِ
وكيف تقطّعُ أوصالُهُ
ويطوف يزيد به في البلادِ
وواهٍ من الإنكسارِ المريرِ بعين الرجالِ…
يمدون أيديهم لزمانِ لكم أكرموهُ
ولم ألقَ مثل العراقِ
كريماً خجولْ

 

عبد الرزاق عبد الواحد في حب الحسين ع

قدمت وعفوك عن مقدمي حسيرا اسيرا كسيرا ظمي
قدمت لاحرم في رحبتيك سلام لمثواك من محرم
فمذ كنت طفلا رايت الحسين منارا الى ضوءه انتمي
ومذ كنت طفلا وجدت الحسين ملاذا باسواره احتمي
ومذ كنت طفلا عرفت الحسين رضاعا وللان لم افطم
سلام عليك فانت السلام وان كنت مختضبا بالدم
وانت الدليل الى الكبرياء بما ديس من صدرك الاكرم
وانك معتصم الخائفين يا من من الذبح لم يعصم
لقد قلت للنفس هذا طريقك لاقي به الموت كي تسلم
وخضت وقد ضفر الموت ضفرا فما فيه للروح من مخرم
وما دار حولك بل انت درت على الموت في زرد محكم
من الرفض والكبرياء العظيمة حتى بصرت وحتى عمي
فمسك من دون قصد فمات وابقاك نجم من اللانجم
ليوم القيامة يبقى السؤال هل الموت في شكله المبهم
هو القدر المبرم اللايرد ام خادم القدر المبرم
سلام عليك حبيب النبي وبرعمه طبت من برعم
حملت اعز صفات النبي وفزت بمعياره الاقوم
دلالة انهم خيروك كما خيروه فلم تثلم
بل اخترت موتك صلت الجبين ولم تلتفت ولم تندم
وما دارت الشمس الا وانت لئلائها كالاخ التوام
سلام على الك الحوم حواليك في ذلك المضرم
وهم يدفعون بعري الصدور عن صدرك الطاهر الارحم
ويحتضنون بكبر النبين ما غاص فيهم من الاسهم
سلام عليك على راحتين كشمسين في فلك اقتم
تشع بطونهما بالضياء وتجري الدماء من المعصم
سلام على هالة ترتقي بلئالئها مرتقى مريم
طهورا متوجها بالجلال مخضبتا بالدم العندم
تهاوت فصاحة كل الرجال امام تفجعها الملهم
فراحت تزعزع عرش الظلام بصوت باوجاعه مفعم
ولو كان للارض بعض الحياء لمادت باحرفها اليتم
سلام على الحر في ساحتيك ومقحمه جل من مقحم
سلام عليه وعتب عليه عتب الشغوف به المعرم
فكيف وفي الف سيف لجمت وعمرك يا حر لم تلجم
واحجمت كيف وفي الف سيف ولو كنت وحدي لم احجم
ولم انتظرهم الى ان تدور عليك دوائرهم يادمي
لكنت انتزعت حدود العراق ولو ان ارسانهم في فمي
لغيرت تاريخ هذا التراب فما نال منه بنو ملجم
ويا سيدي يا اعز الرجال يا مشرعا قط لم يعجم
ويا بن الذي سيفه مايزال اذ قيل ياذو الفقار احسم
يحس مرؤءة مليون سيف سرت بين كفك والمحزم
وتمسك انت ثم ترخي يديك وتنكر زعمك من مزعم
فاين سيوفك من ذو الفقار واينك من ذالك الضيغم
علي علي الهدى والجهاد عظمت لدى الله من مسلم
ويا اكرم الناس بعد النبي وجها واغنى امرؤء معدم
ملكت الحياتين دنيا واخرى وليس بيتك من درهم
فدى لخشوعك من ناطق فداء لجوعك من ابكم
قدمت وعفوك عن مقدمي مزيجا من الدم والعلقم
وبي غضض جل ان ادريه ونفس ابت ان اقول اكظمي
كانك ايقضت جرح العراق فتياره كله في دمي
الست الذي قال للباكرات خذيني وللنفس لا تهزمي
وطاف باولاده والسيوف عليهم سوار على المعصم
فضجت باضلعه الكبرياء وصاح على موته اقدمي
كذا نحن يا سيدي ياحسين شداد على القهر لم نشكمي
كذا نحن ياايها الرافدين سواترنا قط لم تهدم
لان ضج من حولك الظالمون فانا وكلنا الى الاظلم
وان خانك الصحب والاصفياء فقد خاننا من له ننتمي
تدور علينا عيون الذئاب فنحتار من ايها نحتمي
لهذا وقعنا عرات الجراح كبارا على لؤمهاالالامي
فيا سيدي يا سنا كربلاء يلالؤه في الحلك الاعتم
تشع منائره بالضياء وتذخر بالوجع الملهم
ويا عطشا على جدب العصور سينهل من نورك الزمزمي
ساطبع ثغري على موطئك سلام لارضك من ملثم

أضف تعليق